فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

{واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد} يعني أن الله أهلك عادًا وجعلكم تخلفونهم في الأرض وتعمرونها {وبوأكم} يعني وأسكنكم وأنزلكم {في الأرض تتخذون من سهولها قصورًا} يعني تبنون القصور من سهولة الأرض لأن القصود إنما تبنى من اللِّبن والآخر المتخذ من الطين السهل اللين {وتنحتون الجبال بيوتًا} يعني وتشقون بيوتًا من الجبال وقيل كانوا يسكنون السهول في الصيف والجبال في الشتاء وهذا يدل على أنهم كانوا متمتعين مترهفين {فاذكروا آلاء الله} أي فاذكروا نعمة الله عليكم واشكروه عليها {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} قال قتادة: معناه ولا تسيروا في الأرض مفسدين فيها والعثو أشد الفساد وقيل أراد به عقر الناقة وقيل هو على ظاهره فيدخل فيه النهي عن جميع أنواع الفساد. اهـ.

.قال أبو حيان:

{واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوّأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورًا وتنحتون الجبال بيوتًا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين} ذكر صالح قومه بما ذكر به هود قومه فذكر أولًا نعمًا خاصة وهي جعلهم خلفاء بعد الأمة التي سبقتهم وذكر هود لقومه ما اختصوا به من زيادة البسطة في الخلق وذكر صالح لقومه ما اختصوا به من اتخاذ القصور من السهول ونحت الجبال بيوتًا ثم ذكرا نعمًا عامة بقولهما {فاذكروا آلاء الله} ومعنى {وبوّأكم في الأرض} أنزلكم بها وأسكنكم إياها والمباءة المنزل في الأرض وهو من باء أي رجع وتقدم ذكره و{الأرض} فلا موضع ما بين الحجاز والشام و{تتخذون} حال أو تفسير لقوله: {وبوّأكم في الأرض} فلا موضع له من الإعراب والظاهر أن بعض السهول اتخذوه قصورًا أي بنوا فيه قصورًا وأنشؤوها فيه ولم يستوعبوا جميع سهولها بالقصور وقال الزمخشري: {من سهولها قصورًا} أي يبنونها من سهولة الأرض بما يعملون منها الرهض واللبن والآجر يعني أن القصور التي بنوها أجزاؤها متخذة من لين الأرض كالجيار والآجر والجصّ كقوله: {واتخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلًا} يعني أنّ الصورة كانت مادّتها من الحلي كما أن القصور مادتها من سهول الأرض والأجزاء التي صنعت منها وظاهر الاتخاذ هنا العمل فيتعدّى {تتخذون} إلى مفعول واحد، وقيل: يتعدى إلى اثنين والمجرور هو الثاني، وقرأ الحسن {وتنحَتون} بفتح الحاء، وزاد الزمخشري: أنه قرأ وتنحاتون بإشباع الفتحة قال كقوله:
ينباع من دفري أسيل حرّه

انتهى.
وقرأ ابن مصرف بالياء من أسفل وكسر الحاء وقرأ أبو مالك بالباء من أسفل وفتح الحاء ومن نقرأ بالياء فهو التفات وانتصب {بيوتًا} على أنها حال مقدّرة إذ لم تكن الجبال وقت النحت بيوتًا كقولك إبرِ لي هذه اليراعة قلمًا وخَّط لي هذا قباء، وقيل: مفعول ثانٍ على تضمين {وتنحتون} معنى و{تتخذون}، وقيل: مفعول بتنحتون و{الجبال} نصب على إسقاط من أي من الجبال، وقرأ الأعمش {تعثوا} بكسر التاء لقولهم أنت تعلم وهي لغة و{مفسدين} حال مؤكدة، قال ابن عباس: القصور لمصيفهم والبيوت في الجبال لمشتاهم، وقيل: نحتوا الجبال لطول أعمارهم كانت القصور تخرب قبل موتهم، قال وهب: كان الرجل يبني البنيان فتمرّ عليه مائة سنة فيخرب ثم يجدده فتمر عليه مائة سنة فيخرب ثم يجدده فتمر عليه مائة سنة فيخرب فأضجرهم ذلك فاتخذوا الجبال بيوتًا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد} أي خلفاءَ في الأرض أو خلَفًا لهم كما مر {وبوأكم في الأرض} أي جعل لكم مَباءةً ومنزلًا في أرض الحِجْر بين الحجازِ والشام {تتخذون من سهولها قصورًا} استئنافٌ مبينٌ لكيفية التبوِئةِ أي تبنون في سهولها قصورًا رفيعةً أو تبنون من سهولة الأرض بما تعملون منها من الرِهْص واللِبن والآجُرّ {وتنحِتون الجبال} أي الصخورَ وقرئ {تنحَتون} بفتح الحاء و{تنحاتون} بإشباع الفتحة كما في قوله:
ينباعُ من ذِفْرَى أسيلٍ حرّةٍ

والنحتُ نجْرُ الشيءِ الصُّلب، فانتصابُ الجبالِ على المفعولية وانتصابُ قوله تعالى: {بيوتًا} على أنها حالٌ مقدرةٌ منها كما تقول: خِطْتُ هذا الثوبَ قميصًا، وقيل: انتصابُ الجبالِ على إسقاط الجار أي من الجبال وانتصابُ بيوتًا على المفعولية، وقد جوّز أن يُضمَّن النحتُ معنى الاتخاذِ فانتصابُهما على المفعولية، وقيل: كانوا يسكُنون السهولَ في الصيف والجبالَ في الشتاء {فاذكروا آلاء الله} التي أنعم بها عليكم مما ذكر أو جميعَ آلائِه التي هذه من جملتها {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} فإن حقَّ آلائِه تعالى أن تُشكَرَ ولا تُهملَ ولا يُغْفلَ عنها فكيف بالكفر والعِثيِّ في الأرض بالفساد. اهـ.

.قال الألوسي:

{واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ} أي خلفاء في الأرض أو خلفاء لهم قيل: ولم يقل: خلفاء عاد مع أنه أخصر إشارة إلى أن بينهما زمانًا طويلًا {وَبَوَّأَكُمْ} أي أنزلكم وجعل لكم مباءة {فِى الأرض} أي أرض الحجر بين الحجاز والشام {تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا} أي تبنون في سهولها مساكن رفيعة.
فمن بمعنى في كما في قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ للصلاة} [الجمعة: 9] ويجوز أن تكون ابتدائية أو تبعيضية أي تعملون القصور من مادة مأخوذة من السهل كاللبن والآجر المتخذين من الطين.
والجار والمجرور على ما قال أبو البقاء يجوز أن يتعلق بمحذوف وقع حالًا مما بعده.
وأن يكون مفعولًا ثانيًا لتتخذون.
وأن يكون متعلقًا به وهو متعد لواحد.
والسهل خلاف الحزن وهو موضع الحجارة والجبال.
والجملة استئناف مبين لكيفية التبوئة فإن هذا الاتخاذ بأقداره سبحانه.
{وَتَنْحِتُونَ الجبال} أي تنجرونها، والنحت معروف في كل صلب ومضارعه مكسور الحاء.
وقرأ الحسن بالفتح لحرف الحلق، وفي القاموس عنه أنه قرأ {تنحاتون} بالإشباع كينباع، وانتصاب {مِنْهُ الجبال} على المفعولية، وقوله سبحانه: {بُيُوتًا} نصب على أنه حال مقدرة منها لأنها لم تكن حال النحت بيوتًا كخطت الثوب جبة، والحالية كما قال الشهاب باعتبار أنها بمعنى مسكونة إن قيل بالاشتقاق فيها، وقيل: انتصاب {الجبال} بنزع الخافض أي من الجبال، ويرجحه أنه وقع في آية أخرى كذلك، ونصب {بُيُوتًا} على المفعولية، وجوز أن يضمن النحت معنى الاتخاذ فانتصابهما على المفعولية.
روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم اتخذوا القصور في السهول ليصيفوا فيها ونحتوا من الجبال بيوتًا ليشتوا فيها، وقيل: إنهم نحتوا الجبال بيوتًا لطول أعمارهم وكانت الأبنية تبلى قبل أن تبلى أعمارهم.
{فاذكروا ءالاء الله} أي نعمه التي أنعم بها عليكم مما ذكر أو جميع نعمه ويدخل فيها ما ذكر دخولًا أوليًا، وليس المراد مجرد الذكر باللسان كما علمت.
{وَلاَ تَعْثَوْاْ في الأرض مُفْسِدِينَ} فإن حق آلائه تعالى أن تشكر ولا يغفل عنها فكيف بالكفر، والعثي الإفساد فمفسدين حال مؤكدة كما في {وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ} [الروم: 25]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ}.
يجوز أن يكون عطفًا على قوله: {اعبدوا الله} [الأعراف: 73] وأن يكون عطفًا على قوله: {فذروها تأكل في أرض الله} [الأعراف: 73] إلخ.
والقول فيه كالقول في قوله: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح} [الأعراف: 69].
{وبوأكم} معناه أنزلكم، مشتق من البَوْء وهو الرّجوع، لأنّ المرء يرجع إلى منزله ومسكنه، وتقدّم في سورة آل عمران (121)، {تُبَوّىءُ المؤمنين مَقاعد للقتال} وقوله: {في الأرض} يجوز أن يكون تعريفُ الأرض للعهد، أي في أرضكم هذه، وهي أرض الحِجر، ويجوز أن يكون للجنس لأنّه لما بوأهم في أرض معيّنة فقد بَوّأهم في جانب من جوانب الأرض.
والسّهول جمع سهل، وهو المستوي من الأرض، وضدّه الجبل.
والقصور: جمع قصر وهو المسكن، وهذا يدلّ على أنّهم كانوا يشيّدون القصور، وآثارُهم تنطق بذلك.
و{مِنْ} في قوله: {من سهولها} للظرفيّة، أي: تتّخذون في سهولها قصورًا.
والنّحت: بَرْي الحَجَر والخَشَب بآلة على تقدير مخصوص.
والجبال: جمع جبل وهو الأرض النّاتئة على غيرها مرتفعة، والجبال: ضدّ السّهول.
والبيوت: جمع بيت وهو المكان المحدّد المتّخذ للسكنى، سواء كان مبنيًا من حجر أم كان من أثواب شعرٍ أو صوففٍ.
وفعل النّحت يتعلّق بالجبال لأنّ النّحت يتعلّق بحجارة الجبال، وانتصب {بيوتًا} على الحال من الجبال، أي صائرة بعد النّحت بيوتًا، كما يقال: خِطْ هذا الثّوب قميصًا، وابْرِ هذه القصبة قَلمًا، لأنّ الجبل لا يكون حاله حال البيوت وقت النّحت، ولكن يصير بيوتًا بعد النّحت.
ومحلّ الامتنان هو أن جعل منازلهم قسمين: قسم صالح للبناء فيه، وقسم صالح لنحت البيوت، قيل: كانوا يسكنون في الصّيف القصور، وفي الشّتاء البيوتَ المنحوتة في الجبال.
وتفريع الأمر بذِكْر آلاءِ الله على قوله: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد} تفريع الأعم على الأخصّ، لأنّه أمَرهم بذكر نعمتين، ثمّ أمرهم بذكر جميع النّعم التي لا يحصونها، فكان هذا بمنزلة التّذييل.
وفعل: {اذكروا} مشتقّ من المصدر، الذي هو بضمّ الذّال، وهو التذَكَّر بالعقل والنّظر النّفساني، وتذكّر الآلاء يبعث على الشّكر والطّاعة وترك الفساد، فلذلك عطف نهيهم عن الفساد في الأرض على الأمر بذكر آلاء الله.
{ولا تعثوا} معناه ولا تفسدوا، يقال: عَثِيَ كَرضِي، وهذا الأفصح، ولذلك جاء في الآية بفتح الثّاء حين أسند إلى واو الجماعة، ويقال عَثا يعثو من باب سَما عثوًا وهي لغة دون الأولى، وقال كراع، كأنّه مقلوب عاث.
والعَثْيُ والعَثْو كلّه بمعنى أفسد أشدّ الإفساد.
ومفسدين حال مؤكّدة لمعنى {تعثوا} وهو وإن كان أعمّ من المؤكَّد فإنّ التّأكيد يحصل ببعض معنى المؤكَّد. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا}.
ومن قبل قال الحق لقبيلة عاد: {واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ...} [الأعراف: 69].
وهنا قال الحق: {واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ}.
لأن عادًا هم الخلفاء الأقرباء منهم، وقصتهم مازالت معروفة ومعالمها واضحة، أما قصة نوح فهي بالتأكيد أقدم قليلًا من قصة عاد.
ويذكرهم الحق أيضًا أنه جعل في الأرض منازل يسكنونها، فاتخذوا من سهولها قصورًا، والسهل هو المكان المنبسط الذي لا توجد به تلال أو صخور أو جبال، وكانوا ينحتون من الجبال بيوتًا، وكان عمر الإِنسان منهم يطول لدرجة أن البيت ينهدم مرتين في العمر الواحد للإِنسان. ولذلك قرروا أن يتخذوا من الجبال بيوتًا لتظل آمنة، وحين يرى الإِنسان مدائن صالح منحوتة في الجبل فهي فرصة لأن يتأمل عظمة الحق في تنبيه الخلق إلى ما يفيدهم وهي بالفعل من نعم الله، ويقول سبحانه: {... فاذكروا آلاءَ الله وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأرض مُفْسِدِينَ} [الأعراف: 74].
وآلاء الله- كما عرفنا- هي نعمه التي لا تحصى، وينبههم إلى عدم نشر الفساد في الأرض. اهـ.